
الجولة الجديدة من محادثات أستانا وضعت نظام الأسد أمام “استحقاق حاسم”
قامت اجتماعات الجولة الجديدة من أستانا في مدينة سوتشي الروسية بوضع نظام الأسد أمام “استحقاق حاسم” للجنة الدستورية مع رغبة واضحة وصريحة من الأمم المتحدة بإحراز تقدم في هذا الملف.
وجاء مؤتمر أستانا في جولته 15 الذي اختتم أمس الأربعاء بعد فشل محادثات اللجنة في الاجتماع الخامس بمدينة جنيف السويسرية قبل نحو شهر وما تبعه من تحميل المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن النظام مسؤولية هذا الفشل.
وقد شاركت في المؤتمر وفود الدول الضامنة الثلاث،وهي تركيا وروسيا وإيران، فضلا عن مشاركة وفدي النظام والمعارضة وبيدرسن ووفود ثلاث دول بصفة مراقب هي الأردن ولبنان والعراق، بالإضافة إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وتقود اللجنة إعادة صياغة الدستور، وهي هيئة مكونة من 150 عضوا، بواقع 50 ممثلا لكل من المعارضة والنظام ومنظمات المجتمع المدني، بينما تتكون الهيئة المصغرة للجنة من 45 عضوا.وأفادت مصادر مطلعة على المفاوضات بأن “المبعوث الأممي شدد في لقاءاته مع الدولتين الضامنتين روسيا وإيران ووفد النظام على ضرورة انخراط النظام في أعمال اللجنة الدستورية، لأنها المسار السياسي الذي تُعلق عليه الآمال من قبل الدول أجمع وينتظره استحقاق حاسم”
وقد أوضحت مصادر أن “الجانب الإيراني أبلغ خلال لقائه بيدرسن باستعداد النظام السوري للانخراط في العملية الدستورية لكن هذا التعهد كان شفويا، والمبعوث الأممي سيلتقي في دمشق مع مسؤولي النظام ليسمع منهم استعدادهم للتفاعل مع أعمال اللجنة الدستورية”.
ويطالب بيدرسن بأن يقدم نظام الأسد مثل المعارضة أوراقا ومضامين دستورية للبناء عليها وإقرار مسودة إصلاح دستوري تُطرح للاستفتاء الشعبي بدلا عن الحديث عن أمور وقضايا تجاوزتها الاجتماعات السابقة للجنة الدستورية، وهي قضايا إعدادية لا يبارحها النظام.
وكانت مصادر في المعارضة أفادت بأن بيدرسن كان حازما جداخلال الاجتماعات بشأن ضرورة حصول تقدم في العملية السياسية لأن المجتمع الدولي ربما يبحث في مقاربات أخرى في حال فشل عمل اللجنة الدستورية وهو ما يضع النظام وحلفائه في موقف حرج.
وتضمن البيان الختامي للدول الضامنة تشديدها على “أهمية ضمان احترام الاختصاصات والقواعد الإجرائية الأساسية لتمكين اللجنة من تنفيذ ولايتها المتمثلة في إعداد وصياغة الإصلاح الدستوري للموافقة الشعبية، وكذلك تحقيق تقدم في عملها”.
وتطرقت المحادثات إلى تجديد الالتزام بالتهدئة في إدلب شمال غربي سوريا ومن أبرز نقاط التوافق خلال “أستانة 15″، خاصة وأن النظام يواصل خروقاته ويستهدف المدنيين في المنطقة ويعرض حياتهم للخطر والنزوح.
وفي 5 آذار 2020 أُعلن اتفاق التهدئة في إدلب إثر قمة عقدت بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين.وتفيد المصادر بأن “هناك مواقف دولية قوية ترفض التصعيد في منطقة إدلب، وجرى نقلها في الاجتماعات إذا لا تتحمل المنطقة أي موجة نزوح وكان هناك حديثا واضحا حازما عن عدم السماح بحصول أي خروقات للنظام في المنطقة”.
ولا يزال السوريون يعانون من أزمة اللجوء والنزوح بسبب عمليات النظام العسكرية، وكثير من المدنيين في منطقة خفض التصعيد بإدلب يعانون من النزوح للمرة الثانية والثالثة.ويرتبط هذا الأمر بفتح الطرق الدولية، التي تمر من تلك المنطقة، وهي بحاجة إلى فرض التهدئة ووقف إطلاق نار دائم، والانتقال إلى الحل السياسي الحقيقي من دون مراوغة النظام.
ومن دون تحقيق تلك الأهداف، من الواضح أنه يصعب إعادة فتح الطرق الدولية وهو ما أكدته المعارضة في الاجتماعات.وكانت مسألة عودة اللاجئين على جدول أعمال اجتماعات “أستانا 15” وكان هناك تركيز على العودة الآمنة لهم، وخاصة أن هناك عمليات عودة تمت إلى المناطق الآمنة التي شكلتها تركيا عبر عملياتها العسكرية.
وركزت المعارضة على ضرورة أن تشمل عودة اللاجئين توافر البيئة الآمنة التي تأتي مع بدء الانتقال السياسي الحقيقي وحصول التهدئة المستدامة التي تؤمن أرواح المدنيين، وجرى نقل هذه الرسالة إلى الجانب الروسي.ويرتبط بهذا المسار أيضا موضوع إعادة الإعمار، والبدء بتنفيذ مشاريعها يمهد لعودة اللاجئين وتمويل هذه العودة بحاجة لانتقال سياسي حقيقي يدفع الدول المانحة إلى تمويل برامج إعادة الإعمار، ومع الظروف التي تفرض الأمن يمكن للاجئين العودة طواعية إلى قراهم وبلداتهم ومدنهم.ووصف المبعوث الروسي الخاص لسوريا “ألكسندر لافرنتييف” الانتخابات الرئاسية التي يعتزم النظام السوري إجراءها بعد أشهر بـ”المشروعة”.
وهو ما يصطدم بالمواقف الدولية الرافضة لإجراء تلك الانتخابات، حيث تعتبرها “غير شرعية”.
وبحسب أجواء الاجتماعات، وفق المصادر فإن المجتمع الدولي يرغب في تحقيق تقدم في ملف اللجنة الدستورية، وإقرار دستور جديد، وإجراء الانتخابات وفقا له.
ويتخوف المجتمع الدولي من أن تفضي الانتخابات لفوز رئيس النظام بشار الأسد مما سيزيد من تعنت النظام في مسار الحل السياسي، الذي هو المسار الوحيد لحل الأزمة السورية القائمة منذ عام 2011.
وبحسب مصادر يخشى المجتمع الدولي من أن الانتخابات التي ستُجري بدعم روسي وإيراني لن تؤدي إلى انخراط مرن من النظام في العملية السياسية وربما تجعله يتشدد أكثر لسنوات قادمة، بعكس ما يتم تسويقه من أن الانتخابات قد تساعد على مرونة النظام.
في النهاية وإن لم يعتبر الاجتماع الـ15 لمسار أستانا مثمرا بالشكل المطلوب إلا أنه وضع النظام أمام استحقاق اللجنة الدستورية بشكل حاسم، ومدد التهدئة الميدانية في منطقة خفض التصعيد بإدلب تمهيدا للوصول لتهدئة شاملة